يضحك المجتمع ويسخر من قرارت الرئيس
مرسي غير المفهومة، والتي تتعمد إثارة الرأي العام وإحداث نوع من البلبلة
والتخبط، ويظن الكثير أن الجماعة تتهاوى إلى القاع، ولكن إذا نظرنا للأمر
بشكل آخر سنجد أن ما يحدث هو العكس، وسبق وأن حذرت من ذلك في مقالات سابقة
بعنوان "الراقصة في الحجاب" و"الدستور لا يزال في جيبيي" في سبتمبر وأكتوبر
من العام الماضي، وقد تحدثت فيها عن ستائر الدخان التي يطلقها الإخوان
لشغل الرأي العام وإبعاده ذهنياً عن الأهداف التي يسعون لتحقيقها.
ولكن اليوم سنحاول أن نتحدث بشكل تفصيلي عن مخطط الإخوان الذين يسعون
بكل قوة لتنفيذه في غيبة من القوى المجتمعية والأحزاب السياسية، فمن الواضح
أمامنا أن الإخوان يعملون على عدة مراحل ومستويات سنسرد منه ما يجعلنا
نستطيع تكوين صورة ولو ضمنية تحدد لنا الحاضر، وتجعلنا نستطيع التعامل مع
المتغيرات المتوقع حدوثها في المجتمع.
مرحلة ما قبل الثورة:
لقد استطاعت جماعة الإخوان في عصر نظام مبارك أن تحقق مكاسب كثيرة تمهد
لها الطريق لتنفيذ خطة التمكين، واستطاعت التحرك على عدة مستويات واستخدام
العديد من الأساليب.
فإذا نظرنا إلى المستوى الأول، وهو المتمثل في نظام مبارك، فسنرى أن
الجماعة قد استخدمت معه ثلاثة أساليب وهم "الاحتواء، التعايش، التحييد"،
فأما الاحتواء فكان من خلال توظيف أجهزة النظام لتحقيق أهداف الجماعة، وأما
التعايش فكان من خلال العمل على التأثير على الواقع مما يجعل النظام في
حاجة دائمة لتواجد الجماعة، أما التحييد فيتم عن طريق إشعار نظام مبارك بأن
الجماعة لا تمثل خطراً على وجوده، وقد ظهر هذا جلياً في تصريحات قيادات
الجماعة قبل اندلاع الثورة بأيام.
المستوى الثاني الذي عملت عليه الجماعة قبل الثورة فهو "تقييد المجتمع"،
وهو ما تفننت فيه الجماعة من خلال التغلغل في القطاعات الشعبية الأكثر
حاجة، وقطاعات الطلاب، والنقابات، وقطاع المهنين، ورجال الأعمال، وكان ذلك
التغلغل بمثابة حجر الزاوية في خطة التمكين، والذي جعل بعد ذلك مواجهة
النظام لهم أكثر صعوبة وتعقيداً.
مرحلة ما بعد الثورة والوصول للحكم:
لقد أصبحت جماعة الإخوان بعد الثورة هي القوة الأكثر رسوخاً على أرض
الواقع، وبات وصولها إلى سدة الحكم أمراً مفروغاً منه، خاصة بعد تأكدها من
أنها أحكمت سيطرتها على الفئات المهمشة والعديد من الحركات السياسية،
وإقناعها للغرب بأنها القوة التي تستطيع تأكيد الاستقرار بالمنطقة، وأصبح
وجودهم على رأس السلطة وتشكيلهم لحكومة نابعة من الإخوان لا يمنع وجود بعض
الأخطار التي تهدد تنفيذ خطتهم للتمكين، وبالفعل بدأت الجماعة في التعامل
مع تلك الأخطار كالتالي:
الخطر الأول: المؤسسة العسكرية.. وهي تعد الأكثر خطراً على حكم الجماعة،
وقد استطاعت قيادات الجماعة بعد جولة كبيرة من الشد والجذب بينها وبين
جنرالات الجيش من إقصائهم بشكل نهائي، مستخدمين في ذلك الجماعات المتطرفة
في سيناء ووحدات خاصة داخل القوات المسلحة تدار لمصلحتهم، وبعد تصعيد السيد
عبد الفتاح السيسي وزيرا للدفاع وشغل القوات المسلحة بتصفية الجماعات
المتطرفة في سيناء وهدم الأنفاق وغيرها من الأمور- أصبحت القوات المسلحة
ليس عندها من الوقت للتفكير في العودة للحياة السياسية مرة أخرى.
الخطر الثاني: الأقباط.. مما لا شك فيه أن الجماعة ترى في وجود الأقباط
خطراً كبيراً على تنفيذ مخطط التمكين، لذلك تعمدت الجماعة استخدام ثلاث
أساليب رئيسية معهم وهي "التعايش، التأمين، ثم التفتيت"، فأما التعايش
فيأتي بمحاولة إشعار الأقباط بأن مصالحهم في وصول الإخوان للحكم وليس
السلفيين، والتأمين فيتم بإشراك بعض الأقباط في عملية الحكم، حتى وإن كانت
هذه المشاركة سورية، ثم التفتيت وهنا تبدأ الجماعة بتقليل فاعليتهم
الاقتصادية ومحاصرة رجال أعمالهم ومحاولة إضعاف العون الخارجي.
الخطر الثالث: الإعلام والقضاء والداخلية.. بعدما أصبحت الأجهزة
التنفيذية في أيدي الجماعة أصبح لديها ثلاث عقبات، ربما تطيح بهدفهم في
التمكين، كان أولها جهاز الشرطة، واستطاعوا تسييره وتسخيره في خدمة أهدافهم
-على عكس المتوقع- وذلك بعدما أتى على رأس الوزارة من يقوم بتنفيذ
التعليمات المباشرة من رئيس الجمهورية دون أي تعديل، أما القضاء فمازالت
المحاولات عتيه لاختراقه، خاصة بعد تصفية عدد كبير ممن لديهم السطوة داخل
المؤسسة القضائية، وأما الإعلام فهو الشوكة التي تقف في حلقهم حتى الآن،
فبالرغم من إحكام سيطرتهم على الصحف القومية ووزارة الإعلام إلا أن الإعلام
الخاص كان له اليد العليا، وبكل تأكيد سيحاولون في خلال الست شهور القادمة
وضع نهاية له، سواء من خلال التشويه المتعمد لرموزه مما يفقد ثقة المجتمع
به، أو من خلال التضييق على ملاك بعض القنوات وتهديد مصالحهم، ومن ثم
السيطرة عليه.
الخطر الرابع: المعارضين.. تبدأ الجماعة التحرك على عدة مستويات،
فبالنسبة للأحزاب والحركات والمؤسسات الحقوقية، فقد اخترقت البعض ووصلت
فيها إلى مراكز اتخاذ القرار واستخدمت معها أسلوب التوجيه، واستخدمت مع
البعض الآخر الذي فشلت في التغلغل داخله أسلوب التحييد أو التصفية، أما
بالنسبة لمستوى المعارضين كأفراد فقد تحركت معهم الجماعة على ثلاث محاور
تبدأ بالرموز، حيث يتم تمييع قضيتهم بدعوات الحوار أو بتشويههم على المستوى
المجتمعي أو بإقصائهم نهائيا من المشهد، والمحور الثاني من المعارضين، وهم
القيادات الوسطى، يتم الدفع بهم في أحداث شغب مفتعلة، ومن ثم يتم
محاكمتهم، والأمثلة على ذلك كثيرة، أما المحور الثالث من المعارضين، وهم
الوقود الثوري في الشارع الشباب ذات الأعمار الصغيرة، فهؤلاء يتم ذبحهم
سريعا لإرهاب الآخرين.
انتهى الجزء الأول من المقال، ولكن لم ينتهي الحديث عن خطة تمكين
الجماعة وكيفية مواجهتها، ولكن ما علينا جميعا حاليا أن نفعله هو أن ننتبه
لما يحدث حولنا، وأن نعطي أنفسنا بعض اللحظات للتفكير ومحاولة فهم الواقع
والتعامل معه.