إن كنت تظن أن المخادعين هم من يضللون
الناس بالكلام المزخرف والحكايات المؤثرة، فأنت بكل تأكيد مخطئ تماماً،
فالمخادعون الحقيقيون يتصرفون ويتكلمون بطريقة معتاده لأنهم يعلمون أن
المبالغة تولد الشك والريبة، ولذلك يوجهون ضرباتهم بطريقة بريئة لا تلفت
الأنظار إلى مقاصدهم، وبمجرد أن يطمئن الخصم للمواجهة المألوفة فلن يلاحظ
أي خداع يحاك له في الخفاء، بل أكثر من ذلك يفعله المخادع الجيد بأن يجعل
خصومة يتوقعون سلسلة من الأفعال، وعند تحقيق العدد المناسب من حلقات تلك
السلسلة يستطيع أن يفاجئهم بخطته للقضاء على أحلامهم.
باختصار شديد، هذا ما حاولت جماعة الإخوان المسلمين تنفيذة منذ اندلاع
ثورة 25 يناير، فقد استخدمت الجماعة استراتيجية المرآة وأكلت على جميع
الطاولات، لم تجد صعوبة في التحدث بلغة الثوار في نفس اللحظة التي كانت
تتفاوض مع رجال مبارك، وبعد سقوط النظام لم يكن عندها مانع أن تبرم الصفقات
مع المجلس العسكري في نفس الوقت الذي أقنعت فيه السلفليين أن مرشحهم هو من
سيطبق الشريعة الإسلامية.
إن جماعة الاخوان تحاول أن ترقص وهي مرتدية الحجاب، ظنا منها أن الحجاب
يغطي الراقصة، من باب أن ما يظهره يثير وما يخفيه يولد الشغف، ولكن هذا
الحجاب سقط كاملا في جمعة 12 أكتوبر، فلن تجد الجماعة غير المقننة سبيلاً
لحفظ ماء وجه الرئيس بعد إخفاقه في برنامج المائة يوم، وعدم إعادة تشكيل
التأسيسية سوى الاشتباك مع متظاهري التحرير وإخلاء ميدان التحرير بالقوة،
الأمر الذي كان أشبه بأحداث موقعة الجمل، وبالرغم من أن كثير من رجال
السياسة توقعوا استخدام الإخوان للقوة في فض التظاهرات، لكني لم أكن أتوقع
ان تكون بهذه السرعة، ولا أعلم السبب بالتحديد.. فهل تم ذلك لتراجع
شعبيتهم؟ أم تم ذلك بعد زوال كل الأطراف التي يمكن أن تعقد معها صفقات؟ أم
هو إحساس المنفرد بالسلطة بقوته وجبروته؟
إذا كانت جماعة الإخوان المسلمين استطاعت أن تمارس دور المخادع الجيد
وتقصي جميع القوى السياسية من المعادلة السياسية، فلن تستطيع بأي حال من
الأحوال أن تقصي الشعب المصري وأن تقضي على أحلامه في العيش والحرية
والكرامة الإنسانية، وإنى لأرى اللعبة التي تحاول الجماعة إلهاء الشعب بها
من تصدير أزمات ونقص في أساسيات الحياة لن تجعل الشعب يعود خطوة واحدة
للوراء، ولن يتنازل عن مطالبه الأساسية التي ثار من أجلها في 25 يناير، وإن
لم تعِ جماعة الإخوان الدرس جيداً فسيثور الشعب مرة أخرى من أجل الدستور،
ومن أجل الحرية، ومن أجل العدالة، ومن أجل العيش، ومن أجل الكرامة، ومن أجل
الأجيال القادمة، وليس عندي شك بأن الراقصة ستسقط كما سقط حجابها.
بوابة الشروق