أخبار عاجلة

السبت، 29 سبتمبر 2012

احمد حنتيش يكتب.. الراقصة فى الحجاب

إن كنت تظن أن المخادعين هم من يضللون الناس بالكلام المزخرف والحكايات المؤثرة، فأنت بكل تأكيد مخطئ تماماً، فالمخادعون الحقيقيون يتصرفون ويتكلمون بطريقة معتاده لأنهم يعلمون أن المبالغة تولد الشك والريبة، ولذلك يوجهون ضرباتهم بطريقة بريئة لا تلفت الأنظار إلى مقاصدهم، وبمجرد أن يطمئن الخصم للمواجهة المألوفة فلن يلاحظ أي خداع يحاك له في الخفاء، بل أكثر من ذلك يفعله المخادع الجيد بأن يجعل خصومة يتوقعون سلسلة من الأفعال، وعند تحقيق العدد المناسب من حلقات تلك السلسلة يستطيع أن يفاجئهم بخطته للقضاء على أحلامهم.

باختصار شديد، هذا ما حاولت جماعة الإخوان المسلمين تنفيذة منذ اندلاع ثورة 25 يناير، فقد استخدمت الجماعة استراتيجية المرآة وأكلت على جميع الطاولات، لم تجد صعوبة في التحدث بلغة الثوار في نفس اللحظة التي كانت تتفاوض مع رجال مبارك، وبعد سقوط النظام لم يكن عندها مانع أن تبرم الصفقات مع المجلس العسكري في نفس الوقت الذي أقنعت فيه السلفليين أن مرشحهم هو من سيطبق الشريعة الإسلامية.

إن جماعة الاخوان تحاول أن ترقص وهي مرتدية الحجاب، ظنا منها أن الحجاب يغطي الراقصة، من باب أن ما يظهره يثير وما يخفيه يولد الشغف، ولكن هذا الحجاب سقط كاملا في جمعة 12 أكتوبر، فلن تجد الجماعة غير المقننة سبيلاً لحفظ ماء وجه الرئيس بعد إخفاقه في برنامج المائة يوم، وعدم إعادة تشكيل التأسيسية سوى الاشتباك مع متظاهري التحرير وإخلاء ميدان التحرير بالقوة، الأمر الذي كان أشبه بأحداث موقعة الجمل، وبالرغم من أن كثير من رجال السياسة توقعوا استخدام الإخوان للقوة في فض التظاهرات، لكني لم أكن أتوقع ان تكون بهذه السرعة، ولا أعلم السبب بالتحديد.. فهل تم ذلك لتراجع شعبيتهم؟ أم تم ذلك بعد زوال كل الأطراف التي يمكن أن تعقد معها صفقات؟ أم هو إحساس المنفرد بالسلطة بقوته وجبروته؟

إذا كانت جماعة الإخوان المسلمين استطاعت أن تمارس دور المخادع الجيد وتقصي جميع القوى السياسية من المعادلة السياسية، فلن تستطيع بأي حال من الأحوال أن تقصي الشعب المصري وأن تقضي على أحلامه في العيش والحرية والكرامة الإنسانية، وإنى لأرى اللعبة التي تحاول الجماعة إلهاء الشعب بها من تصدير أزمات ونقص في أساسيات الحياة لن تجعل الشعب يعود خطوة واحدة للوراء، ولن يتنازل عن مطالبه الأساسية التي ثار من أجلها في 25 يناير، وإن لم تعِ جماعة الإخوان الدرس جيداً فسيثور الشعب مرة أخرى من أجل الدستور، ومن أجل الحرية، ومن أجل العدالة، ومن أجل العيش، ومن أجل الكرامة، ومن أجل الأجيال القادمة، وليس عندي شك بأن الراقصة ستسقط كما سقط حجابها.
 بوابة الشروق

الخميس، 20 سبتمبر 2012

احمد حنتيش يكتب... الدستور لا يزال فى جيبى

مما لا شك فيه أن من حق كل أمة أن تكتب دستورها بنفسها لتستقر نفسيا وسياسياً، ذلك الأمر الذي يجعلها تخضع لمظلة القانون سواء كانت أفرادا أو جماعات أو تيارات، مما يتيح لها أن تحصل على حقوقها وتلتزم بواجبتها.

ولكن ما نراه الآن في مصر وفي ظل تشكيل الجمعية التأسيسية الحالي يثير كثيرا من التخوفات حول دستور مصر القادم، خاصة في ظل حالة التعتيم الإعلامي لجلسات الجمعية التأسيسية، ضف إلى ذلك كثرة اللغط حول حسم بعض القضايا المهمة والجوهرية في الدستور.

للأسف لقد حولوا الدستور إلى معركة بين التيارات السياسية ونسوا وتناسوا أن كتابة الدستور تحتاج إلى أكبر حالة من التوافق، فبنظرة متأنية سنرى الليبراليون تائهون داخل الجمعية التأسيسية وكل ما يدور في تفكيرهم هو فك طلاسم الألغاز التي يضعها لهم التيار الإسلامي، وعلى الجانب الآخر مازال السلفيون مشغولون بكتابة دستور يضمن لهم حياة مستقرة في العصور الوسطى رافعين الرايات السوداء، ويقف المارد الإخواني يعرف جيدا ماذا يريد من الدستور فهو له العديد من الأهداف يحاول بشتى الطرق تنفيذها يأتي على رأسها أحكام قبضته على مقاليد الحكم، وإعادة مجلس الشعب المنحل طبقا لمواد الدستور، وإتاحة مادة انتقالية تتيح للرئيس مرسى استكمال مدة رئاسته.

للأسف هذا ما يدور داخل لجنة كتابة دستور مصر، وللأسف أيضاً لقد بدأ الإخوان في الاستعداد لحشد الناس للتصويت بالموافقة على الدستور من الآن، ولكن ما يغفلوه هو أن تأتي نسبة التصويت بالموافقة على الدستور تقارب النسبة التي نجح بها الدكتور مرسي فسوف يعد ذلك عاراً سياسياً يلحق بهم تاريخياً، فالدستور الذي لا تتعدى نسبة الموافقة عليه 80% من الشعب هو من وجهة نظري دستور به عوار ويجب معالجته.
يجب أيضاً ان تكون المادة الانتقالية الخاصة ببقاء الرئيس مادة منفصلة يتم الاستفتاء عليها من خلال خانة مستقلة "هل توافق على استكمال الرئيس مدة رئاستة".

من الآن إلى اليوم المنشود للاستفتاء على الدستور يجب على التيار المدني أن يقوم بتحويل قضية الدستور إلى قضية شعبية، فلن يفرض علينا دستوراً لا يحترم حقوق المواطن، ولن نقبل بدستوراً خرج من جعبة الإخوان، ولن نوافق على دستور يمزق الشعب إلى نصفين.
بوابة الشروق 

الجمعة، 14 سبتمبر 2012

احمد حنتيش يكتب .. انحراف التوابيت

خرجت الفتاة بنت العشر سنوات لتقف بين آلاف البؤساء من أهالى الجزيرة تتابع المشهد الرهيب الذي لا يتكرر إلا كل عام، فهو اليوم المشهود الذي تعاقب فيه الآلهه من يفكر أن يعبر هذا المحيط أو تطأ قدماه حتى مياهه، ولما لا وأحكام الآلهة تحذر من العبث بذلك الأمرالذي يفتح أبواب الجحيم على الجزيرة وأهلها، وقفت الفتاة تترقب صفاً من الفتيان والفتيات الخونة، وما من لحظات وخرج الملك في موكب عظيم وأمر بوضع هؤلاء الخونة داخل توابيت لدفنهم أحياء عقابا لهم على مخالفة تعاليم الآلهة، وكانت من أحكام الآلهة أن يختار الملك أحد هؤلاء الخونة ليسكنه أول تابوت ويقود موكب التوابيت من خلال الدقات على خشب التابوت من الداخل حتى يستقر على البقعة التي سيدفنون بداخلها، ومع غروب الشمس كان الأمر قد انتهى برمته وكانت التوابيت قد استقرت داخل باطن الأرض، وعاد الأهالي إلى بيوتهم يسردون لأبنائهم كيف كان عقاب الآلهة لهؤلاء الخونة.

ولكن على الجانب الآخر كانت الفتاة التي رأت الأمر بعينها تفكر وهي تنظر إلى ذلك المحيط المترامي الأطراف.. لماذا خلقت الآلهة هذا المحيط ولا تريدنا أن نعبره؟ وهل هناك من ينتظرنا على الجانب الآخر من المحيط؟ وما فائدة الجلوس في هذه الجزيرة التي لا يرُى فيها إلا توابييت الأحياء وهم يدفنون؟ أسرعت الفتاة إلى والدتها لتحدثها بما تفكر به، ولكن الأم عنفتها ربما لخوفها على ابنتها، وربما لخوفها على وطنها من جحيم الآلهة.

مرت سنوات وأصبحت الفتاهةجميله يافعة تتهافت إليها القلوب ويتقدم رجال الجزيرة رجل تلو الآخر لخطبتها، ولكن الفتاة كانت تطلب مهراً ثمينا.. فكانت تطلب من الرجل الذي يريد الزواج بها أن يعبر المحيط، وقد علم الملك بأمر هذه الفتاة فأرسل قائد الحرس لإحضارها، وحضرت الفتاة ووقفت بين يدي الملك وكانت تتسم بالجرأة وشدة الذكاء وأخذت تجادله في شئون الآلهة، وبدأ حراس الملك وحاشيته ترتسم على وجوههم علامات الإعجاب بالفتاة، فغضب الملك غضبا شديدا وأمر الحراس أن يقبضوا عليها لكي تعاقب مثل باقي الخونة.

وأتى اليوم المشهود وتجمع الآلاف من بؤساء الجزيرة، ولكن هذه المرة لم تكن الفتاة تقف لتترقب "الأموات الأحياء" ولكنها كانت ضمن صفوف الخونة تترقب "الأحياء الأموات"، وخرج الملك في موكب عظيم، ربما لم يره سكان الجزيرة من قبل وأمر باقتراب الفتاة، وبالفعل اقتربت الفتاة، فقال لها الملك أنه اختارها لكي تقود موكب التوابيت للمكان الذي يدفن فيه، فابتسمت الفتاة ونظرت إلى صفوف الخونة وقالت "اطمئنوا، ربما نجد داخل التابوت ما هو أوسع من جزيرتنا"، وبعد لحظات كانوا جميعا داخل التوابيت، وحمل قائد الحرس تابوت الفتاة في المقدمة انتظاراً لدقات أناملها التي ستقودهم إلى مثواهم الأخير.

وبدأت الدقات تعلو من داخل تابوت الفتاة، أحيانا على الجانب الأيمن وأحيانا على الجانب الأيسر، وقائد الحرس يوجه الموكب طبقا لاختيار ساكن التابوت وجميع المشيعين يترقبون في هدوء تام أين يستقر هذا التابوت، مضى بضع الوقت والفتاة تقود موكب التوابيت إلى أن وصلت إلى الجهة التي قررت أن يدفن فيها التوابيت، وقف الجميع مندهش فربما هي المرة الأولى التي تقاد فيها التوابيت إلى هذا المكان، نعم إنه المحيط.. لقد قررت الفتاة أن تنحرف التوابيت هذه المرة عن المكان الذي تدفن فيه كل مرة، حين إذن وقف قائد الحرس ينظر للملك في دهشة ولسان حاله يقول ماذا أفعل، ولكن الملك نظر للقائد وأمره بإلقائهم بالمحيط، فألقيت التوابيت بالمحيط، ووقف الجميع مندهش وهو يرى التوابيت تستقر فوق المياه وتحملها الأمواج، ولسان حالهم يقول أين ذهبوا.. هل إلى الآلهة؟ أم إلى الجحيم؟ أم إلى مجهول أشد سوءاً؟ وما إن اختفت التوابيت عن الأعين حتى وقف الملك يهتف بين البؤساء "ها قد اختارت الآلهة لهم عذاباً أعظم من باطن الأرض" فعودوا إلى دياركم وحذروا أبنائكم!